wazmania

Google

الأحد، نوفمبر ٢٢، ٢٠٠٩

مصر و الجزائر - مجرد ملاحظة

مصر و الجزائر
مجرد ملاحظة

بعد انتهاء مباراة مصر و الجزائر التي أقيمت بالسودان سألني الأصدقاء " هو أنت مش زعلان ليه؟"
فحقيقة الأمر أنه بمجرد انتهاء المباراة تحولت من حالة العصبية الرهيبة إلى حالة أخرى تماما تقارب الوضع الطبيعي لي ، و كأن شيئا لم بكن.
و لم أتكلم سوى على مستوى نقد المباراة دون أن يختلط ذلك بمشاعر أو انفعالات تشوب الحس النقدي بأي عدم حيادية.
و كان الأصدقاء على حالة بالغة من الشد العصبي الذي يرافقه سباب و صوت عال و ارتفاع في ضغط الدم، و مقاطعة بعضهم البعض سواء للمعارضة أو للموافقة على ما بقال، و وصل الأمر بالبعض إلى طرح فكرة حرق السفارات الجزائرية و السودانية و السيشلية بالقاهرة، تأسيسا على أن الجزائر مارست إرهابا ضد لاعبينا و مشجعينا و أن السودان سمحت للجزائريين بذلك و أن الحكم السيشلى مرتش و ديوث للجزائريين. و طالب البعض الأخر بضرب لاعبي المنتخب المصري بالطوب عند عودتهم و مطالبتهم بالاعتزال و رد كل ما تلقوه من أموال نظير لعبهم لمنتخب مصر تأسيسا على أن تلك الأموال تقوها نظير لعبهم لمنتخب مصر و هم لم يحققوا الهدف الذي من أجله تلقوا تلك الأموال من حصيلة ضرائب المصريين.
و كنت خلال كل ذلك شارد الذهن زائغ العينين أحاول الوصول للقهوجي لطلب كوب من الشاي و كأن شيئا لم يكن.
لذا عندما سألني صديقي : مالك؟
و أجبت: عايز أقفش عم عبده عشان يجيبلى كوباية شاي.
ثار السؤال – و الذي سبقته لفظة مصرية تدل على التعجب- : هو أنت مش فارقه معاك غير كوباية الشاى؟
و لم يكن هناك بد من إلقاء كحاضرة – مكررة- عن الرياضة.
تقوم تلك المحاضرة في تأسيسها النظري على أن الرياضة نشاط يجب الفصل فيه بين طرفين:
أولا: القائم بالنشاط ( لاعبين، مدربين ، إدارة......إلخ)
ثانيا: المتلقي للنشاط ( الجمهور).
و أن وجهتي النظر تلكما تحددان لنا كيفية التعامل مع الرياضة.
أولا: إن كنت تمارسها فأنت مطالب ببذل مجهود أولا و بتحقيق نتيجة ما ثانيا.
و لك أجر عن بذل المجهود و مكافأة عن تحقيق النتيجة المطلوبة.
و لأنه نشاط لبشر ضد بشر فبتالي ربما تبذل أنت أقصى مجهود لك لكنك تفشل في تحقيق النتيجة، و ربما تبذل أقل مجهود لكنك تنجح في تحقيق النتيجة المطلوبة.
كل ذلك حسب علاقة مجهودك بمجهود الطرف الأخر، و مدى طاقة كل منهما.
فمجهودك يفرز طاقة ما ربما تكون أقل من الطاقة التى أفرزها مجهود الطرف الأخر حتى و إن كان اجتهاده لنفسه أكبر من إجهادك لنفسك، و ذلك نظرا لأنك لديك من اللياقة و القوة و المهارة ما هو أكثر منه.
مما لا يجعل هناك أية ثنائية بين مجهودك و فوزك.
إنما هناك علاقة بين مجهودك و الطاقة، و علاقة أخرى بين مجهود الطرف الأخر و الطاقة.
و تلكما المجموعتان من العلاقات في تداخلهما مع بعض يحققان النتيجة.
أي أنه..............
إذا طرحنا معادلة للتوضيح و أفدنا:
أن مجهودك = ج
مجهود الطرف الآخر = ج2
الطاقة = ط
تؤدى إلى = #
فبتالي فإن
ج # ط
ج2 # ط
و لكن مدى الطاقة المفرزة من المجهود تختلف من طرف للأخر لذا سنفترض خطا معياريا للطاقة من 1 حتى 100.
و مجهود يختلف من لحظة لأخرى لذا سنقوم بوضع خط معياري لمجهود كل طرف من 1 إلى 100.
و عليه فان من الممكن أن تكون المعادلة كالتالي:
ج × 50 = 50ط
لكن من الممكن أن يكون
(ج2) × 50 = 70 ط
تأسيسا على أن درجة الطاقة مطلقة أي معيار ثابت أما المجهود فمختلف قيمته من طرف للأخر.
فمثلا عندما يلعب الأهلي مع البن الأثيوبي فرموز المعادلة هي:
مجهود الأهلي= (ج هـ)
مجهود البن = ( ج ب)
و الطاقة رمز ثابت لأنها تتغير من حيث القيمة فقط فبتالي رمزها هو = ط
فتصبح المعادلة أحيانا على النحو التالي:
(ج هـ) × 25 = 30 ط
أي أن لاعبي الأهلي بذلوا ربع مجهودهم فحققوا طاقة بقيمة 30
في حين أنه
(ج ب) × 100 = 15 ط
أي أن لاعبي البن إذا بذلوا أقصى طاقتهم فلن ينتجوا سوى طاقة بقيمة 15
و بالتالي فأن النتيجة ستكون فوز الأهلي لأن الطاقة المفرزة منه أعلى من طاقة البن، حتى و إن لم يبذل لاعبيه أقصى طاقتهم.
أما إذا حدث مثلا و لعب الزمالك مع بنى عبيد
مجهود الزمالك = (ج ز)
مجهود بنى عبيد = (ج ع)
(ج ز) × 15 = 10 ط
(ج ع) × 100 = 20ط
فتحقق فوز بنى عبيد.
و عليه نصل لنتيجة هي انه لا توجد علاقة سببية بين مجهودك و نتيجة الفوز، إنما هناك علاقة فقط بين مجهودك و النتيجة في المطلق.
و أن الأمر لا يتوقف عليك فقط كلاعب و إنما على الطرف الأخر أيضا.
لكن هناك مطالبة ببذل الجهد حتى أقصاه لتحقيق افضل نتيجة ممكنة.
فمثلا إذا لعبت مصر أمام البرازيل، فعندما يبذل لاعبونا أقصى جهدهم سينتجون طاقة بقيمة 80 و إذا لعبت البرازيل بأقصى طاقتها ستنتج طاقة بقيمة 100 مما سيؤدى إلى الهزيمة لكن بنتيجة غير قاسية.
كل ذلك هو تنظير مستقر في نفوس الناس و كل ما فعلناه هنا هو محاولة لتقنينه ليس أكثر.
و منه نعرف أنه يمكن أن أكافئ الفريق على المجهود بلا فوز، أو على فوز بلا مجهود.
و كما قلنا من قبل فالاعب مطالب بأمرين بذل مجهود و تحقيق نتيجة.
لكن بناء على النسبية للنتيجة التي وضحناها قدر الإمكان فانه لا يمكن معاقبة فريق أو لاعب على النتيجة إلا إذا ثبت أنه لم يبذل أقصى مجهوده.
إذا هناك عقوبة يجب أن توقع على عدم بذل المجهود أو التكاسل عن بذله كاملا.
و ليس هناك وجوب للعقوبة عند حدوث كل هزيمة.
كل ذلك فيما يخص اللاعبين.
و تندرج تحت بند المجهود الوظائف التالية على سبيل المثال لا الحصر:
1- الجري.
2- التخطيط. ( سواء من الاتحاد الذي يدير اللعبة أو الدولة)
3- الإدارة. ( الفنية أو غيرها)
4- التنظيم. ( من المدربين و اللاعبين و غيرهم)
5- الحالة النفسية. ( الحماس مثلا)

أما فيما يخص ثانيا : المتلقي فالأمر على ما أعتقد كالتالي:
عند مشاهدتك أو تلقيك لرياضة تتم ممارستها الآن أمامك فأنت مطالب بالانتماء إلى أحد الطرفين أو الاستمتاع بفكرة التنافس في حد ذاتها.
و عندما يكون أحد طرفي المنافسة انتمى معك لذات انتماء ما فأنت تميل إلى الرغبة في أن يفوز دونا عن الأخر.
سواء كان هذا التلاقى الإنتمائي جغرافي ( دولة، محافظة، إقليم، منطقة، قارة، قومية..إلخ)
أو ديني ( مسلم، مسيحي..إلخ)
أو عرفي ( أهلي ، زمالك..إلخ)
لكنك تكتشف أن مدى بذل المجهود منك ليس هناك بينه و بين تحقيق النتيجة أية علاقة ، اللهم إذا وضعت لنفسك الوهم بأن مدى تحمسك يؤدى إلى زيادة حماس اللاعبين، و حتى إن صدقت ذلك فإن تلك العلاقة بين حماسك و حماس اللاعبين لا تزيد عن مدة ممارسة الرياضة.
أي في كرة القدم 90 دقيقة و بعدها تنفصل عرى تلك العلاقة.
أما إذا طرحت تصور أنه قبل المباراة و بعدها يمد اللاعبين بحماس يدفعهم لتحقيق الفوز فأنت واهم تماما و الدليل من تاريخنا:
مصر و الجزائر
مصر و أمريكا في كأس العالم للقارات
مصر و زامبيا في أول تصفيات كأس العالم بالقاهرة
الأهلي و النجم الساحلي في النهائي على إستاد القاهرة
الأهلي في اليابان
الزمالك .....دائما.
و الأمثلة كثيرة.
و عليه فإن حقيقة إلا يتجاوز حماسك و تشجيعك لحظة الممارسة هو مطلب منطقي، و عليه فإن حماسك قبل و بعد المباراة و فرحك و حزنك بعدها غير مجدي بالمرة.
بل إنه يعد إسرافا بلا داع، لأنه بلا نتيجة فيما يخص محل الحماس.
لكنه سيؤدى إلى تفريغ لشحنة انفعالية لديك كانت نتيجة الحدث الرياضي مجرد تكأة تستند أنت عليها لتفريغ تلك الشحنة.
الخطير في الأمر أن شحنتك الانفعالية تلك ليس السبب فيها هو تلك اللعبة و إنما ملابسات و ظروف اقتصادية و اجتماعية أخرى.
و ما يحدث هو أنك تفرغ شحنتك الانفعالية في غير محلها، فبدلا من الثورة ضد النظام الاقتصادي و السياسي الذي وضعك في تلك الحالة الانفعالية، فأنت تفرغ تلك الطاقة في اتجاه أخر لمجرد أنك وجدت منفذ تفريغ.
و عليه فأنت بذلك ستبقى دائما في تفريغ للشحنة في غير محلها و بالتالي لن تحدث أي تغيير في واقعك ( أي لن تحقق النتيجة المقابلة لمجهودك) و بالتالي فإن وظيفتك الأصيلة كمواطن أنت أخليت بها من أجل وهم يخدعك بأنك بذلك أصبحت مواطنا.
و عليه تصبح مثلك مثل هؤلاء اللاعبين و المدربين و أعضاء اتحاد الكرة الذين لم يبذلوا جهدا منظما ( حتى و إن كان كبيرا) لتحقيق نتيجة تتناسب مع قوة الطاقة التي أفرزها مجهودهم و لكن في غير محلها.

و ذلك يصبح منطقيا جدا، فما هم إلا شريحة من المجتمع المصري الذي اعتاد مؤخرا أن يبذل مجهودا في غير محله فلا يتقدم أبدا فيما يهم و إنما يفرغ طاقه في الهوامش و ليس الأصول.
و عليه فأنا (مش زعلان) لأني أرفض أن أكون أحد عيوب المجتمع المصري، أنا مش زعلان لأنني قررت أن أكون أحد مزايا الشعب المصري، و أحتفظ بشحنتي الانفعالية لتفريغها في اتجاه تغيير الواقع الحقير للمصريين.
يا ترى أنت لسه زعلان؟

حسن فواز
20/11/2009